( دراسة في محاولة استلهام التراث الشعبي في الكتابة للطفل )
بقلم/جاسم محمد صالح
إن الاستفادة من الحكاية الشعبية في عمل روائي ليست حديثة,إنما جرت محاولات كثيرة في هذا المجال, فالتراث الشعبي لأية امة من الأمم مصدر لكثير من الأعمال الأدبية الهادفة , وهذا راجع إلى اعتبارات كثيرة منها :
1- ان التراث الشعبي أصيل في شكله ومضمونه .
2- انه اقرب الأشياء الى نفس الانسان ولا سيما الأطفال منهم .
3- انه مليء بالحوادث والحركة وبالانفعال .
4- يمتلك خطا دراميا .
ان دعوتنا في الاستفادة من التراث الشعبي في أدب الطفل تنصب تحديدا على محاولة استلهام التراث وتقديمه في عمل أدبي للأطفال , لأهمية هذه المحاولة وخطورتها في الوقت نفسه , فقد جرت محاولات كثيرة لجمع التراث الشعبي وتدوينه وربما لإعادة صياغته وتقديمه للأطفال , وان عملا من مثل هذه الأعمال ليس سهلا ويحتاج الى كثير من الجهد والحذر , فالحكاية الشعبية في وضعها الأصلي: (( تحتوي على عناصر سيئة , وهذه إذا تركت من غير إصلاح او تهذيب او إشراف عليها , ربما كانت عاملا سيئا في تربية الطفل , لان المعلومات والحوادث التي تتضمنها هذه القصص تؤثر في تكوين الطفل العقلي والخلقي وفي ذوقه وخياله وفي لغته )) (1) .
هنا يكمن عنصر الحذر مما يقدم الى الطفل من حكايات شعبية غير منقحة , فان في ذلك أضرار كبيرة وخطورة تؤثر في نفسية الطفل وسلوكه , وكما تقول الدكتورة (الفت حقي) بان : (( الثقافة التي يعرضها المجتمع على الطفل يأخذها الناشئ على علاتها , لذلك تكون مهمة العطاء حرجة سواء أكانت عائلة الطفل او مجتمعه الكبير له هو الآخر صفاته هذه , وحيث انه أقدم وأكثر خصوبة وأقوى فاعلية من الناشئ الفج , فانه يفرض عليه أساليبه الفكرية والعملية بلا منازع )) ( 2 ) .
هنا يأتي دور المتفهم لنفسية الأطفال والأفكار التربوية والاجتماعية وغربلة الحكايات الشعبية واختيار الجيد منها ليقدمه للأطفال بعد ان يصوغها بأسلوبه ويحذف منها ما يشاء ويضيف إليها ما يشاء , خدمة للخط التربوي الذي لا بد وان يقدم للطفل سعيا وراء بنائه وتكوينه النفسي والاجتماعي , وهذا ما أكد عليه الدكتور (عبد العزيز عبد المجيد ) حينما قال : (( وإذا كانت قصصنا الشعبية مليئة بالحوادث المزعجة وغير المناسبة , وإذا كانت بعض الأمهات لا يستطعن الآن الاختيار المناسب من القصص ليسردنه للطفل او ليقرانه و يساعدنه على قراءته… فانا لنرجو ان يجيء يوم تتخلص القصة الشعبية فيه من كل ما بها من عيوب )) ( 3 ) .
لقد بدأت الحكايات الشعبية تتخلص من عيوبها التي لا تلائم الأطفال كورود ألفاظ ( السعلة ) و( الطنطل ) والسحر… الى غير ذلك من ألفاظ ترسخ في ذهنه القوى الغيبية المرتبطة بالأوهام والخرافات وفاعلية تلك القوى ومقدرتها على اللعب بمصير الانسان, فقد تغربلت الحكايات الشعبية في الوقت الحاضر مما علق بها من أدران وشوائب .
ان خير مثال على ذلك رواية (الحطاب والعصفور) التي أعدها عن قصة شعبية القاص (خضير عبد الأمير) والتي صدرت عن دار ثقافة الأطفال عام 1980 في سلسلة حكايات شعبية التسلسل( 15 ) حيث اعتمد المعد في كتابتها على الحكايات الشعبية المتداولة على السن الأمهات والجدات , على الرغم من ان هذا التداول في بعض الأحيان فيه بعض المسائل التي تضاف او تحذف لاعتبارات خاصة والتي تكون بعيدة عن أي هدف تربوي آخر , لكن المعد أحسن صنعا حينما شذب الرواية القديمة وأضاف إليها إضافات كثيرة جعلت من العمل نصا أدبيا رائعا يستلهم التراث الشعبي ويضيف إليه الشيء الكثير , لان في العمل إحساسا كبيرا يعود بالفائدة التربوية على أطفالنا , لما لها من وقع خاص على نفوسهم , ولقد أكد ذلك أكثر الباحثين حينما قالوا : (( وينبغي ان نعترف بالأثر السحري الذي تحدثه هذه القصص الخالدة ( أي القصص الشعبية ) في نفوس الأطفال )) (4) .