بقلم الأديب/عادل ابو عويشة
الثقافة هى كل فاعلية إنسانية يتجاوز بها الفرد مستوى الحياة الطبيعية البسيطة. و من خلال هذا المفهوم للثقافة ترتد الفاعلية الإنسانية إلى ما يكتسبه الفرد من معرفة أو خبرة أو مهارة. و تأتى المعرفة من الدين و الفلسفة و العلم و الفن ، بينما تنتج الخبرة من احتكاك الفرد بالواقع ، كتجربة حية ناشئة من التعامل مع هذا الواقع ، أما المهارة فهى كل إستعداد لدى الفرد للتفوق فى شئ ما ، كقدرة عقلية فائقة أو سيولة عاطفية أو امتلاك زمام فن من الفنون أو حرفة من الحرف ، على أن هذه الفاعلية تتحقق من خلال مجال أو وسط كقاعات الدرس و دور العبادة و وسائل المواصلات و وسائل الإعلام و المنازل و الطرق الخ.
و هذه الفاعلية تكون لدى الفرد كمخزون أو رصيد ، بحيث لا يظل هذا المخزون كما هو ، بل يتحول من كم إلى كيف أى يتحول من مجرد تراكم معرفى سلبى إلى اتجاه ذى ملامح محددة ، و من ثم فإن هذه العملية تتسم بالقصدية و التفاعل ، أما القصدية فتنبيء عنها إرادة الفرد في أن يستخلص لنفسه أسلوبا خاصا يواجه به الحياة أو منهجا شخصيا يتخذه كردود أفعال لواقعه. و أما التفاعل فيشير إليه التحول نفسه من تراكم معرفى يأتى كوحدات متفرقة أو اجزاء شتى ليس بينها رابط إلى إتجاه ذى نسق محدد ، و بمعنى آخر إن هذا التحول عملية واعية إذ يعمل فيها فكر الإنسان فيقبل منها ما يقبل و يرفض منها ما يرفض أو ينقص منها أو يزيد عليها أو يستبعد منها ما يتراءى له ، كما أن هذا التحول نفسه يمر من خلال الشعور فياتى إتجاه الفرد متسقا مع ميوله.
ان الثقافة واجهة إنسانية يتعامل الإنسان من خلالها مع الواقع كردود أفعال حاضرة و منظمة و واعية ، كما تتميز ايضا بالدينامية ، فلم يكون الإنسان أسلوبا خاصا للتعامل مع الواقع ثم يدير ظهره لما يحدث حوله و كأنه يتجمد ، بل يجب أن يتسم بالمرونة إذ أن تيار الحياة زاخر بالمواقف و الإنسان بفكره و شعوره فى حالة تواصل مع هذا التيار ، صحيح أن الإنسان يمكن أن يغير بعض افكاره و آرائه أو يبدل وجهة نظره تجاه بعض المواقف ، لكن هذا موقف طبيعى ، يعد كتطوير للأفكار فضلا عن أن هذا التطوير ياتى فى إطار النسق الذى ارتضاه لنفسه أو بمعنى ان الثقافة تتصف بالنمو.
و الثقافة كذلك تتميز بالإيجابية ، و الواقع أن هذا يدعونا للتساؤل عن قيمة الثقافة إذا لم تقدم ما يبرر وجودها ، كالمشاركة الفعالة فى حل بعض المشكلات الاجتماعية كمحو الأمية و الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن أو التوسع فى المجتمعات العمرانية الجديدة و المحافظة على البيئة ، و ذلك من خلال الإتصال الجماهيرى عن طريق الأجهزة التنفيذية و الشعبية ، و الدور الإيجابي وقت الحروب كتعبيءة الجماهير و توعيتها أو المشاركة في جماعات الهلال الأحمر و الدفاع المدني أو إغاثة المنكوبين اثناء الكوارث كالزلازل و الفيضانات.
و الثقافة تتميز ايضا بالالتزام ، أى إلتزام الفرد بأفكاره و آرائه بحيث يكون سلوكه مطابقا لها و إلا تحول الإنسان إلى مريض بانفصام الشخصية فيكون تفكيره و شعوره فى جانب و سلوكه فى جانب آخر ، أو تحول إلى مريض بازدواج الشخصية فيفكر كشخص و يتصرف كشخص أخر ، أو ربما تحولت الثقافة إلى ضرب من العبث.