بقلم الكاتب الصحفي/
محمد عبداللطيف حمدان
اربغ سنوات مضت على رحيلك يا صديقي .. اسكنك الله فسيح جناته …………..
يقف صديقي الشاعر الكبير درويش مصطفي درويش بين كبار شعراء السويس شامخا كونه واحد من ابرز الشعراء المثقفين الذين اثروا الحياه الثقافيه في السويس ..
قدم درويش مصطفي ابداعا مبكرا منذ ان كان صبيا واستمر ينظم اجمل الكلمات الشعريه الراقيه حتي اخر يوم في حياته .
ولد رحمه الله عليه في منزل والده الحاج مصطفي درويش بكفر كامل احد كفور حي الاربعين الشهيره يوم 21 مايو من عام 1960.وقضي السنوات الاولي من عمره بين اسره كريمه قوامها سته افراد .
ادخر خلال اللسنوات الاولي من عمره الكثير من الانضباعات الوطنيه التي اتسمت بها مدينه السويس .
كان والده الحاج ( مصطفي ) رجلا مثقفا يحب القراءه والاطلاع فاحب الابن مثل ابيه القراءه وتعلق بالشعر المنظم المقدم من الشعراء المصريين والعرب القدامي .
انتقل مع جموع المهجرين في مواكب المجهول التي تحركت الي بلاد الله في المعسكرات التي كانت منتشره بطول الوطن وعرضه عام 1968.
استقر مقام اسرته الصغيره في محافظه بني سويف التي باتت فيما بعد وطنه ثانيا له حيث بدا هناك يتلقي تعليمه الاساسي مدرسه ( احمد ماهر الابتدائية ) من داخل صفوف الدراسه اجاد القراءه والكتابه وتعلم اصول ومبادئ النحو والصرف حتي اذن ( مؤذن ) النصر ضروره عوده المجهرين الي ديارهم خاصه عقب عبور قواتنا المسلحه قناه السويس في اكتوبر المجيد عام 1973 فعاد ( درويش ) الي معشوقته مع العائدين ليستكمل تعليمه الاعدادى بمدرسه ( عمرمكرم الاعدادية ) وكان خياله في تلك الفتره وثيق الصله بقلبه فراح ينظم الشعر ويلقيه علي زملائه في مقاعد الدراسه وماهي الا سنوات قليله حتي اتم تعليمه الثانوى بمدرسه السويس الثانويه العسكريه وتمكن من الالتحاق بكلية الزراعة جامعه قناه السويس وكان ضمن العشره الاوائل دفعه عام 1988 .
بدا رحمه الله عليهرحلته في مجال الشعر متميزا وكانت اول قصائده التي نظمها في حب السويس قويه وبديعه وفيها قال :
السويس عاشقه الموت
المــــــــــوت فيها مباح
الــــــــحب فيها مــــتاح
والمباح لديها غير متاح
تخيروا خبزا نيئا من مواسمها
واذكروا وطنا نتقبل فيه العزاء
( هذا الجزء من القصيده تم نشر بجريده اخبار الادب عام 1993 )
فورتخرجه من الجامعه عين معلما بمدرسة ( الجناين الثانويه الزراعيه ) الي ان جائته فرصه تحسين ظروفه العائليه فتم تعينه مهندسا في قسم فحص المنتجات الصادره والوارده بمواني السويس التابع للهيئه العامه المنوط بها فحص الصادرات والواردات .
خارج نطاق عمله كمهندس سطع نجمه في افاق الشعر فاعاد نظم الحديث من النثر حيث كتب عن البحر الاحمر وجبال عتاقه الشامخه واثار المدينه القديمه وكان في الاول والاخير شاعرا وكاتبا ومحاضرا متميزا وهو مازال في الثلاثين من العمر حيث اصدر اول ديوان شعرى على نفقته الخاصة بعنوان ( الطين اول الكتابه ) ضم تسعين قصيده وهو الديوان الذى احدث جدلا واسعا بين مثقفي نادى ادب السويس ذاع بعده صيته واعتبر شاعر سياسا خاصه بعد طباعه هذا الديوان للمره الثانيه
لم يتراجع الشاعر الكبير درويش مصطفي عن خطه الذى كان قد رسمه لنفسه بل ظل ينظم الشعر وينشره في الصحف والمجلات ويكاد معظم النقاد المصريين قد اتفقوا علي ان شعره ذو خواص جيده من اهمها التزامه بالصوره الخياليه الجماليه في اطار الاساليب العصريه التي يطل منها اي شاعر علي واقع مجتمعه
كان رحمه الله عليه شاعرا مثقفا مع نفسه واعيا مطلعا علي الكثير من الامور الحياتيه عليما بما يجرى حوله مشاركا بفاعليه في كافه الاحداث التي مرت علي الوطن فأحبه الصغير وقدره الكبير حيث اسهم بقلمه الرشيق في الصحافه الادبيه وكانت كتابته في جريده ( اخبار الادب ) و( الثقافه الجديده ) و( ابداع ) و( الشعر ) وغيرها من المجلات الادبيه محط اعجاب كل المهتمين بالشعر فكان عضوا عاملا في اتحاد الكتاب المصريين خاصه بعد اصدار ديوان ( النوارس لا تغني ) الذى صدر في سبتمبر من عام 1998 ومن بين اهم الابيات البديعه التي نظمها في حب معشوقته السويس في هذا الديوان :
السويس ثكلي سمتها الحزن
عيناها الشهداء الذين شيدو الفجر
براءة اجداثهم الهمتهم مغفره الضوء
حين تهل بيارق اعدائــــــــــــــــــــهم
ونحن نصلي علينا الجنازه
كي يشهدوا ما تبقي من رفات انتصارهم
ابرقت لها نعيا وانتظرت الندى
لا تاتي طواعيه فيضحك تمثالها
ويفاجئنا بالحروف العصاه
للسويس ابتهج الهوى
احيانا نتيه بعينيها
ونغني علي بحرها
حيت نمنا علي راحتيها
حدثت الماء عن حسنها
السويس مرسومه باحلامنا
كتبناها برصيف يمد المسافه
بين الظلال وسر الموات
ابتغاء الحياه فغفونا كثيرا
علي صخره من فراق الاهل
فابتسم البحر فينا بالصراخ
كان رحمه الله عليه طليق اللسان خاصه باللغه الانجليزية التي كان يجيدها اجاده تامه الامر الذى أعطاه فرصه تقديم دورسا خصوصيه لابناء كفر كامل بالمجان حيث لم يتخذ من ذلك وسيله للتربح كما يفعل البعض بل اكتفي بعائد وظيفته كمهندس بــ ( قسم فحص المنتجات الصادره والوارده بمواني السويس ) .
عرف رحمه الله في حياته الكثير من الاصدقاء المخلصين كان علي راس هؤلاء صاحب ( احد دور النشر الكبيره ) الذي كرمه بعد وفاته باصدار الطبعه الثانيه من ديوانه ( آهة آيلة للصعود ) ذلك الديوان البديع الذى خرج للنور برقم ايداع ( 2747 ) عام 2014 والديوان مكون من واحد وسبعبن قصيده اغلبها من سطر واحد وفيه قال :
طقس الرماد المزبد برحيق حزنك احبه هاربون من زيف الارق / علي مرمي الموسيقي سلم صاعد الي عصي الموسيقار / ألاهه عاده مكروهه احيانا / من رايته يهرب النسر / نزولا علي رغبتك قرات سفر العوده / ولان الله اهدانا ملكوته فلما لا نعشق / كم انت انيق ايها الضوء حين تكلم الشعائر / وحيث ان التشريع الدولي للافئده ينص علي حق المعرفه قررت / الغناء اكتمال النبض والامهات مشغولين بالاياب / انت شتلات نبضي ازرعها بين قاف وميم
كان رحمه الله ينظم قصائده الشعريه بطريقته الخاصه حتي ان قصيدته التي حملت رقم ( 71) كانت عن شئ غريب لم يتعوده الناس وهو الياس حيث قال : يهيمون بها عشقا فتخدعهم جميعا … البنت الحلوه القصيده مصر .
قال عنه النقاد يوما أنه حاله شعرية خاصه تستحق الاهتمام كونه ظاهرة ثقافية ادبيه واعيه نظرا لقرب مفرداته الشعريه من عامة الناس وجرائته الغير معهوده في طرح الموضوعات التي دائما ما تتمحور بين جلد الذات والتنفيس عن الغضب .
تحيه لصديقي الخلوق الشاعر المتميز ( درويش مصطفي درويش ) الذى أثارت قصائده جدلاً واسعا في اوساط المثقفين وكان لي شخصيا شرف قيامه بكتابه بعض كلمات في حب السويس ضمتها مقدمة كتابي ( السويس … شراره الثوره ) وفيها قال : السويس – المقامات – الضـــوء – القيــــامه – الثــــــوار دين – الوطن للديان داع – اول حروف النبض – كانوا فامنوا – الحريه – انتم عيونها .
لم يعش الشاعر السويسي المتميز درويش مصطفي رحمه الله عليه طويلا حيث وافته المنية في 11 فبراير عام 2014 عن عمر لم يتجاور الــــ 54 عاما وكانت وصيته ان يدفن بالقرب من مسقط بمقابر حي الاربعين المعروفه بــــ ( الروض القديم