كتب / المؤرخ السويسي فاروق متولي
كان ابراهيم سليمان نموذج فريد من الشباب السويسي الروش..لكن معني الروشنه عنده لم تكن مجرد مظهر خارجي كما بعض الشباب بل هو سلوك جاد للدفاع والموت في سبيل الوطن….كان واحد من نجوم شارع سعد زغلول باشا او ماكانوا يسمونه شارع سوسو الحلواني …وكنا نحن علي ايامنا نسميه شارع شنتكلير واللي خد مننا راقات من الشقاوه وخصوصا علي ناصية السينما..ثم تغير في أيامنا الحاليه الي مسمي شارع باراديس بتاع معصرة المانجه والقصب والفوضي الخلاقه.
كان ابراهيم سليمان من الشبان الجدعان الواقفين علي ناصية سوسو مرتديا قميص نص كوم فشر احمد رمزي حتي في عز الشتاء بينما عينيه الخضراوتين وابتسامته لاتفارق شفتيه كما العريس الذي يضئ ناصية الطريق…فقد كان واحد من الرياضيين المرموقين وبطلا للجمباز في البلد بينما الطريق ممهد له كي يقفز الي المنتخب المصري ليصبح واحد من نجوم العالم..لكن القدر ادخر قفزته العاليه الي وقت لاحق لينقذ بها مصر
هو من مواليد زارب بالسويس في ١٣ يوليو ١٩٤٢ …اكمل تعليمه الثانوي ولظروف وفاة والده عاد من القاهره وهذا لم يؤثر في عزيمته ومعنوياته نظرا لتوافر فرص العمل المتاحه بالسويس انذاك مما يغنيهم عن ضياع سنوات الدراسه الجامعيه بلا طائل فألتحق بالعمل بشركة السويس لتصنيع البترول ليصبح واحد من زملائنا الجدد الأعزاء.
وبعد هزيمة ١٩٦٧ اختفي عن الشاشه حتي من شارع سعد زغلول واختفت ابتسامته التي كانت تنير الشارع بأكمله ولم يعد في الشارع المهجور سوي سوسو الحلواني الذي استمر ينتج الحلويات ويقدمها لزبائنه من وراء الزجاج المدهون باللون الازرق حسب تعليمات الدفاع المدني…واعتقد الناس أن عريسهم قد ترك عمله والمدينه بحالها وهاجر كما باقي الأهالي خارجها…لكن سرعان ماأخذوا له التحيه والسلام واخدوه بالأحضان عندما عرفوا باانضمامه الي(منظمة سيناء العربيه)مع زملاءه ليوالي التدريبات المكثفه علي فنون القتال وأعمال الصاعقه استعدادا للقاء العدو الأسرائيلي اذا مافكر في اقتحام السويس فخلع قميصه النصف كم وارتدي الافارول المموج اللي بيخافوا منه وشارك بالفعل في العديد من العمليات الفدائيه خلف خطوط العدو طوال فترة حرب الاستنزاف والتي توقفت بعدما انتقلت القوات المسلحة الي شرق القناه لتطهير الأرض من العدو في ٦ اكتوبر ١٩٧٣ .
لكن ابراهيم قد فوجئ بأن العدو قد جاء اليهم بشحمهم ودمهم بعدما نفذوا خطة العبور المضاد بمنطقة الدفرسوار تمهيدا للتوجه الي السويس..وفي ليلة ٢٣/ ٢٤ اكتوبر٧٣ كان ابراهيم يتمركز بموقعه مع زملاءه منتظرين قدومهم بكمين بشارع الجيش أمام سينما رويال( بنك اسكندريه حاليا) بينما كان ابراهيم يحتضن مدفع ال RBG 7 لتمر أمام عينيه سنوات عمره السابقه كما شريط سينمائي عن امه العجوز واخواته الخمسه وخطيبته التي تحدد موعد تقديم شبكتها أول أيام العيد بعد يومين….لكن الاعداء اتوا اليه قبل موعد الشبكه فقام يصلي الفجر حاضر بمنزله بمنطقة زارب مهد مولده ثم يتمتم بصوت مسموع( يعني هاتعدي الحرب ياولاد ومش هانلحق الشهاده ؟ )
بينما هبت السويس تنتفض في السادسه صباح ٢٤ اكتوبر علي قصف مكثف للطائرات الاسرائليه فيما عدا الطرق التي ستمر منها دباباتهم ومجنزراتهم…وبعد دقائق سمع افراد الكمين اصوات الدبابات والمجنزرات تتقدمها دبابه(سنتوريون ) ضخمه تهز الأرض بين سينما رويال وسينما مصر وأصبحت علي مرمي قذيفة البطل ابراهيم سليمان ليطلق دانته التاريخيه لتتحول الدبابه الي كتلة نيران بينما أخذ يردد الايه الكريمه( ومارميت اذ رميت ولكن الله رمي )
ثم يصرخ من الفرحه ويهلل ويصفق بيديه وبأعلي صوته ( ياسلام عليك يابو خليل ياجن ) عدة مرات…وبعدما توقف الطابور أطلق قذيفته الثانيه علي حاملة الجنود العملاقه(طوبار) ليصيبها فيهرع جنودها للاختباء داخل قسم بوليس الأربعين والمحاط بسور مرتفع من كل جانب فحاصرتهم افراد منظمة سيناء وباقي أفراد المقاومه الشعبيه من الحاديه عشره حتي الثالثه عصرا دار خلالها قتال شرس حول المبني فيستدير ابراهيم محاولا اقتحام القسم طالبا من زملاءه حماية ظهره ثم قفز قفزته العاليه المؤجله باعتباره باعتباره بطل الجمباز فتصيبه وهو في الهواء طلقات ناريه غادره خاصة وان القفزه كانت اعلي من اللازم فكان صيدا ثمينا للعدو ويظل جثمانه الطاهر معلقا علي سور القسم حتي صباح اليوم التالي ليعطي أروع مثل في التضحيه والفداء…ولاتنسي ياعزيزي ان تقرأ الفاتحه علي روحه الطاهره عندما تتأهب للصلاه بالمسجد الذي يحمل اسمه بمنطقة العوايد بحي الاربعين.
المصدر : مقتطفات من كتاب رجال صنعوا تاريخ السويس للراحل حسين العشي وعاصرها كاتب المقال .